الاثنين، 16 نوفمبر 2009

زماننا

زماننا
تأليفي
ما لي أرى الأرض هوجاء شعواء ..
تعمها الفوضى ويملؤها الزحام ..
الناس قد أصيبوا بالجنون ..
الكل يجري .. كلٌ في اتجاه ..
لكنهم يجرون إلى سراب ..
وأكثرهم يسعى إلى الخراب ..
يفسدون أكثر مما يصلحون ..
إن كانوا أصلا يصلحون ..
يخرج بعضهم كل حين ..
فيفاجئنا بالعجب العجيب ..
يزعمون أن الشمس تشرق من غروب ..
يشربون الدم كأنه عصيرٌ مضروب ..
والحق أن الأخلاق هي التي ضُربت فمرضت ..
ودُفنت الأمانة عليلة , فقيل ضاعت ..
لقد وصلنا في الحضارة إلى أبعد المحطات ..
ولكننا سنسلك الطريق حتى النهاية ..
ما دام الغرب هو الإمام ..
وهو الذي يمسك بالزمام ..
سنظل عازمين على الإعمار ..
إعمار الأرض بالدمار ..
ولن تسلم منا في الأرض دار ..
سنجعل النهار ليلا , والليل كالنهار ..
حتى تطلع الشمس من مغربها ..
وساعتها لن يقتص منّا سوى العزيز الجبار ..
رسالة في ليلة التنفيذ
هاشم الرفاعي


أبتاه ماذا قد يخُطّ بَناني ؟ *** والحبلُ والجلادُ منتظرانِ
هذا الكتاب إليك من زنزانةٍ , *** مقرورةٍ , صخريةِ الجدران
لم تَبْقَ إلا ليلةٌ أحيا بها , *** وأُحِسُّ أن ظلامَها أَكْفاني
ستمُرُّ يا أبتاه – لسْتُ أشُك في *** هذا – , وتحمل بعدها جثماني
الليل من حَوْلي هدوءٌ قاتلٌ , *** والذكرياتُ تَمُورُ في وُجداني
ويهدني ألمي , فأنشد راحتي *** في بضع آياتٍ من القرآن
والنفس بين جوانحي شفافةُ *** دبَّ الخشوعُ بها , فهز كِياني
قد عِشت أُومن بالإله , ولم *** أَذُقْ إلا أخيرا لذةَ الإيمان
تبا لهم , أنا لا أريد طعامَهم , *** فلْيرفعوه , فلسْتُ بالجوعان
هذا الطعام المرّ ما صنعَتْه لي *** أمي , ولا وضعوه فوق خِوانِ
كلا , ولم يشْهَدْه يا أبتي معي *** أَخَوانِ لي , جاءاه يستبِقان
مَدوا إليّ به يدا مصبوغةً *** بدمي , وهذا غايةُ الإحسان !!
والصمتُ يقطعه رنينُ سلاسلٍ , *** عبثَتْ بهم أصابعُ السجان
ما بين آونةٍ تمر وأختِها , *** يِرْنو إليّ بِمُقْلَتَيْ شيطانِ
من كُوّةٍ بالباب يَرْقُبُ صَيده , *** ويعود في أمنٍ إلى الدوران
أنا لا أَحِسُّ بأي حقدٍ نحْوه , *** ماذا جَنَى فتَمَسُّه أضغاني ؟
هو طيبُ الأخلاقِ – مثلُك – يا *** أبي , لم يَبْدُ في ظمأٍ إلى العدوان
لكنه إن نام عني لحظةً , *** ذاق العيالُ مرارةَ الحرمانِ
فلربما – وهو المروَّع سحْنة – *** لو كان مثلي شاعرا لرثاني
أو عاد – من يدري ؟ – إلى أولاده *** يوما وذَكَرَ صورتي , لبكاني
وعلى الجدار الصّلب نافذةٌ بها *** معنى الحياةِ , غليظةُ القضبان
قد طالما شارفْتُها متأملا *** في الثائرين على الأسى , اليُقْظان
فأرى وجوها كالضباب مصوِرا *** ما في قلوب الناس من غليان
نفس الشعور لدى الجميع - وإن همُ *** كتموا - وكان الموتُ في إعلان
ويدور همسا في الجوانحِ , ما الذي *** بالثورةِ الحمقاءِ قد أغراني ؟
أَوَ لمْ يكنْ خيرا لنفسي أن أُرَى *** - مثل الجميع - أسيرُ في إذعان ؟
ما ضَرَّني لو قد سكتْتُ وكلما *** غلب الأسى بالغت في الكتمان ؟
هذا دمي سيسيل , يجري مطفِئًا *** ما ثار في جنْبَيَّ من نيران
وفؤادي الموارُ في نبضاته *** سيكف في غده عن الخفقان
والظلمُ باقٍ لم يحطمْ قيْدَه *** موتي , ولن يُودِيَ به قُرْباني
ويسير رَكْبُ البَغْي , ليس يَضِيرُهُ *** شاةٌ إذا اجتُثت من القُطْعان
هذا حديثُ النفسِ حينَ تَشِفُّ *** عن بشريتي وتمور بعد ثوان
وتقول لي : إن الحياةَ لغايةٌ *** أَسْمَى من التصفيق للطغيان
أنفاسُك الحَرَّى – وإن هي أُخْمِدَت - *** ستظل تغمُرُ أُفُقَهم بدخان
وقروحُ جسمِك - وهي تحتُ سياطهم - *** قسماتُ صبحٍ يتَّقِيه الجاني
دمعُ السجينِ هناك في أغلاله *** ودمُ الشهيدِ هنا سيلتقيان
حتى إذا ما أُفْعِمَت بهما الرُّبى *** لم يِبْقَ غيرُ تمردِ الفيضان
ومن العواصفِ ما يكون هبوبُها *** بعد الهدوءِ وراحةِ الريّان
إنّ احتدامَ النارِ في جَوْف الثرى *** أمرٌ يثيرُ حفيظةَ البركان
وتتابُعُ القطراتِ ينزلُ بعدَه *** سيلٌ , يليه تدفّقُ الطوفان
فيموجُ يقْتلِعُ الطغاة مُزَمْجِرا , *** أقوى من الجبروت والسلطان
أنا لَسْتُ أدري هل ستُذْكَرُ قصتي *** أم سوف يَعْرُوها دُجَى النسيان ؟
أو أنني سأكونُ - في تاريخِنا - *** مَتآمِرا , أم هادمَ الأوثان ؟
كلّ الذي أدريه أنّ تجَرُّعي *** كأسُ المذلةِ ليس في إمكاني !!
لو لم أكُنْ في ثورتي مُتَطَلِّبا *** غيرَ الضياءِ لأُمّتي , لَكَفاني
أهوَى الحياةَ كريمةً , لا قيدَ , لا *** إرهابَ , لا استخفافَ بالإنسان
فإذا سقطْتُ , سقطْتُ أحمل عِزتي , *** يغلي دمُ الأحرارِ في شرياني
أبتاه إن طلع الصباحُ على الدُّنَى , *** أضاء نورُ الشمسِ كلَّ مكان
واستقبل العصفورُ فوق غصونِه *** يوما جديدا مشرقَ الألوان
وسمعت أنغامَ التفاؤلِ ثرةً *** تجري على فمِ بائعِ الألبان
وأتى يدقُّ – كما تعوّدَ – بابَنا , *** سيدق بابَ السجنِ جلادان
وأكونُ بعدَ هُنَيَّاتٍ متأرجِحا *** في الحبل , مشدودا إلى العيدان
ليكُنْ عزاؤُك أن هذا الحبلَ ما *** صنعتْهُ في هذي الربوعِ يدان
نسجوه في بلدٍ يُشِعُّ حضارةً , *** وتُضاءُ منه مشاعلُ العرفان
أو هكذا زعموا , وجِيء به إلى *** بلدي الجريحِ على يدِ الأعوان
أنا لا أريدك أن تعيشَ محطما *** في زحمةِ الآلامِ والأشجان
إن ابنك المصفودَ في أغلاله *** قد سِيقَ نحوَ الموتِ غيرَ مدان
وإذا سمعتَ نشيجَ أميَ في الدُّجى *** تبكي شبابا ضاع في الريعان
وتُكَتِّمُ الحسراتِ في أعماقها , *** ألماً تُواريه عن الجيران
فاطلب إليها الصفحَ عني , إنني *** لا أبتغي منها سوى الغفران
ما زال في سمعي رنينُ حديثِها *** ومقالُِها في رحمةٍ وحنان
أَبُنَيَّ : إني قد غدوتُ عليلةً , *** لم يَبْقَ لي جلدٌ على الأحزان
فأذق فؤاديَ فرحةً بالبحث عن *** بنتِ الحلالِ , ودعْكَ من عصياني
كانت لها أمنيةٌ ريانةٌ *** يا حُسنَ آمالٍ لها وأمانِ
غزلَتْ خيوطَ السعدِ مُخضلا ولم *** يكن انتقاضُ الغزلِ في الحسبان
والآن لا أدري بأيِّ جوانحٍ *** ستبيتُ بَعدي أم بأيِّ جَنان ؟
هذا - الذي سَطَّرتُه لك يا أبي - *** بعضُ الذي يجري بفكرٍ عانِ
لكن إذا انتصر الضياءُ ومُزِّقَتْ *** بِيَدِ الجُموعِ شريعةُ القرصان
فلسوف يَذْكرُني ويُكْبِرُ همتي *** مَنْ كان في بلدي حليفَ هوان
وإلى لقاءٍ تحتَ ظلِّ عدالةٍ *** قدسيةِ الأحكامِ والميزان !!

الثلاثاء، 31 مارس 2009

حبٌ قلّ مَنْ يعرفه مِنَ البشر

حبيبتي ..
حبيبتي ليس لكِ من الخلق إلا أنا ..
وليس لي من الخلق إلا أنت ..
وليس لنا إلا الرحيم الرحمن ..

***

أعدك حبيبتي ..
أعدك أنني لن أتركك أبدا ..
لن أتخلى عنك في محنتكِ ..
سأظل خادما لكِ مهما حدث ..
انتظريني في كل لحظة أجلب لكِ الماء والعشب ..
أجلب لكِ الدفء والهواء ..
أما إذا لم آتِ فاعلمي أنني قد طرت إلى ما لا هبوط ..

فلن يمنعني عنكِ إلا الموت ..

***

حبيبتي ..
ها أنا جلبت لكِ الغذاء ..
حبيبتي .. حبيبتي ..
لم لا تردين؟ ..
ليس من عادتِك تركي هكذا أنادي ..
***

قد كان بيننا وعد أكيد ..
ظننت أنك لن تفارقيني ..
أرجوكِ أمضي معي وقتا آخر ..


ما تساوي حياتي بدونكِ؟ ..
من يؤنس وحدتي؟ ..
من يطيب خاطري؟ ..
من يدعو لي بالطمأنينة وراحة البال؟ ..
***

ليس أمامي إلا الصراخ ..
لكن تُرى ماذا يفيد الصراخ؟ ..
هل يمكن أن يمنعَ الموتَ منكِ؟ ..
هل يردّكِ الصراخ إليّ؟ ..
هل يطمئن قلبي؟ ..

***

كلا..
من الآن سأطبق فمي ..
سوف لن أصرخ أي صرخة ..
سوف لن أنطق أي كلمة ..
سوف يستولي عليّ الصمت ..

ولسوف يحركني السكون ..

***

إياك أن تظني أن حياتي بعدكِ تستقيم ..
إياكِ أن تظني أنّي سأفارقك ..
سأظل هنا بجانبك ..
سوف لن أبرح هذا المكان ..
فلن أختار غير صحبتك ..
في الحياة .. أو بعد الممات ..
وما تساوي حياتي بعدكِ حبيبتي؟ ..
إن كانت بعدكِ حياة ..
فارقتيني ولكن الفُرقة لن تطول ..
الآن أعُدّ لحظات الحياة بعد لحظات الذهول ..
لن أظل وحيدا في هذه الحياة ..
وستلتقي أرواحنا غدا عند الإله ..
تفضلوا هذا الرابط